الطريق الى عين جالوت
الطريق الى عين جالوت:
بعد ان تم قتل ثلاثة من رسل المغول كتب السلطان المظفر قطز رد على رسالة هولاكو وارسلها مع المغولي الذي لم يقتل جاء فيها:
قل: اللهم على كل شىء قدير والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبى الأمى، على كتاب ورد فجرا عن الحضرة الخاقانية، والسدة السلطانية نصر الله أسدّها، وجعل الصحيح مقبولا عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حلّ عليه غضبه، ولا ترقون لشاكٍ، ولا ترحمون عبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظا، وبما وصفتم به أنفسكم ناهيا وآمرا، قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ففى كل كتاب لعنتم، وبكل قبيح وصفتم، وعلى لسان كل رسول ذكرتم، وعندنا خبركم من حيث خلقتم وأنتم الكفرة كما زعمتم ألا لعنة الله على الكافرين، وقلتم أننا أظهرنا الفساد، ولا عَز من أنصار فرعون من تمسك بالفروع ولا يبالى بالأصول، ونحن المؤمنون حقا لا يداخلنا عيب، ولا يصدنا غيب، القرآن علينا نزل وهو رحيم بنا لم يزل، تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، إنما النار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع، خيولنا برقية، وسهامنا يمانية، وسيوفنا مضرية، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها فى المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشننا صدورنا، لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وان قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعه، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون، الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنية، إن عشنا فسعيدا، وإن متنا فشهيدا، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المِؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة؟ لا سمعا لكم ولا طاعة، تطلبون أنا نسلم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء.
هذا كلام فى نظمه تركيك وفى سلكه تسليك، ولو كشف الغطاء ونزل القضاء، لبان من أخطأ، أكفر بعد الإيمان ونقض بعد التبيان؟ قولوا لكاتبكم الذى رصف مقالته، وفخّم رسالته، ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب، أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك، وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء.
كتبتَ: سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، لك هذا الخطاب، وسيأتيك الملك الناصر وبكتمر وعلاء الدين القيمرى وساير أمراء الشام ينفرون الإيصال إلى جهنم وبئس المهاد، وضرب اللمم بالصماصم الحداد، وقل لهم: إذا كان لكم سماحة، ولديكم هذه الفصاحة؛ فما الحاجة إلى قراءة آيات وتلفيق حكايات، وتصنيف مكاتبات، وها نحن أولاء فى أواخر صفر موعدنا الرَسْتَن وألا تعدنا مكان السلم، وقد قلنا ما حضر والسلام...
ثم بعد ذالك
انعقد مجلس الحرب بمعسكر الجيش المملوكي .والتف امراء المماليك حول سلطانهم قطز دخل خيمته يتباحثون .كان من الواضح تنازعهم بشأن التتار وخطة الحرب .التقديرات المبدئية تشير الى ان اعداد التتار تفوق الحصر.تأهيلهم ايضا يفوق الجيوش الاسلامية المملوكية الجيوش المسلمة لم تقتصر على الفرسان والجنود .كان غالبتهم اناسا خرجو من ربوع مصر والشام منهم المزارعون والفلاحون والعاملون والبسطاء .لبوا نداء الجهاد .لم ينفروا الا من اجل الذود عن اراضيهم واهليهم وبلادهم ودينهم.لم يكن لديهم اي دراية بفنون الحرب ولم يسبق لاحدهم اية خبرة بقتال.
توجس الامراء خيفة حين اقتربوا من الموقعة المرتقبة .اختلفوا حول خطة الحرب .اشار بعضهم الى التراجع والتسليم لهولاكو ودار حديث بينهم بين مؤيد ومعارض.
احتد قطز وقام من مجلسهم قائلا:
من اراد التراجع فلينسحب الان وليبقى مع القواعد والنساء.
سألقى التتار وحدي.
قام بيبرس وقال مهدئا:
مهلا ايها السلطان فلست وحدك انما جئت هنا ولن اعود ادراجي قبل
ان ننتصر عليهم
نظر اليه السلطان للحظات قبل ان يدير نظره في الجميع مستنكرا وموبخا لهم وهو يقول بغضب:
لقد مضى عليكم زمن تأكلون من بيت المال وانتم للغزو كارهون .اما انا فقد اخترت التوجه للجهاد .فمن اختار الجهاد فليصحبني ومن تقاعس فليعد الى بيته.والله مطلع على القلوب .لكن فليعلم الذين يتخلفون عن الركب ان دماء الابرياء التي ستراق بيد التتار في رقابهم.
تملك الخجل من قلوب الامراء وهوت انظارهم الى الارض .لكن في هذه الاثناء دنا منهم الحاجب .نظر اليه قطز متسائلا؛ فقال في انفعال :رسالة تنتظر بالخارج ايها السلطان.
بدا الاهتمام على الجميع فقال قطز:
ممن ايها الحاجب
اجابه:
من المملوك صارم الدين اوزبك الاشرفي مملوك الملك الاشرف الايوبي
قطب قطز جبينه مفكرا وتبادل النظرات مع بيبرس قبل ان يأمر بادخال الرسول
لم يمض وقت طويل حتى كان المبعوث الشاب يقف بين يدي السلطان قطز .يتلو عليهم الرسالة .امر السلطان بصرف الرسول واستغرق في تفكير عميق بعد سماعه الرسالة.
ووقع في حيرة كبيرة.ايصدق رسالة صارم الدين .ام انها مكيده لتزويدهم باخبار كاذبة كانت الرسالة تناقض رسالة هولاكو
فكيف له ان يرسل بالتهديد والوعيد بينما هو قدرحل الى عاصمة قومه مصطحبا معه عدد كبيرا من قواته.
بعد مشاورات طويله مع رفاقه وقر في قلوبهم انها رسالة ربانية
وفرصة لن تتكرر للنصر المبين وان هناك ثغرة كبيرة في صفوف المغول يجب استغلالها
وان رحيل هولاكو في هذا التوقيت مع عدد كبير من جيشه يعني ان عناية الله تتدخل لانقاذ ما بقي من الاسلام السني الصافي ولحماية باقي الابرياء
الجمع المقدس:
احتشدت جموع غفيرة من الجند في الصالحية وتوافد المصريون والشاميون بكثافة من كل صوب .وانصهروا في صفوف الكتائب في مزيج مهيب من ابدال الشام ونجباء مصر وتزايدت اعدادهم تدريجيا حتى بدت ملامح الجيش .وتراصوا بانتظام تحت اشعة الشمس المحرقة.لم يمنعهم قيظ الحر ولفح الهجير من تلبية نداء الجهاد ولم يصدهم طول المسافات اثناء الزحف ولم يفت في عضدهم ماتناقلته الالسن ومارسخ في الاذهان عن ضخامة اعداد التتار ووحشيتهم وانعدام رحمتهم وتدني انسانيتهم.
امتدت اذرع الشمس الملتهبه تحرق الاجواء .كانت تلفح الارض كتنور عملاق ينضح باللهب.وارتفعت فوقهم سحب معبأة باوار السماء تمطر الرؤوس بلهيبها .لكن ذالك الجيش المبارك بمعنويات تحلق في الاعالي وتناطح السحاب تغلفها درع متينة من الايمانيات الرفيعة .تشبعوا بها بعد نداءات علماء السنة الاجلاء والواعظين الخلصاء .امتطى فرسانهم خيول العز بن عبدالسلام الذي كلل صهوة كل جواد بخاتم الوعظ والتحريض على الجهاد .واشاع بينهم نكران الذات والرغبة في نيل الشهادة .اشتاقت قلوبهم لسكن الفردوس واحراز النصر على العدو العسيف البغيض.
بدا الطريق لامتناهيا .ولكنه بدا ايضا وكانه ينقص الارض من اطرافها
الله اكبر
ردحذفزمن العزة والكرامة
ردحذف